الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
البسيط إما ترينا حفاةً لا نعال لن *** إنا كذلك ما نحفى وننتعل على أن مجيء الشرط فيه مضارعاً كالأبيات التي قبله ضرورة، والقياس إما رأيتنا. وإما أصله إن الشرطية، وما الزائدة، ولام التوطئة مقدرة قبل إن، وجملة: إنا كذلك إلخ ، جواب القسم المقدر، وهو دليل جواب الشرط. والذي دلنا على أن هذه الجملة جواب القسم عدم اقترانها بالفاء، ولا يحسن جعلها جواب الشرط بادعاء حذفها، لأن حذفها خاص بالشعر كما يأتي في الشرح قريباً. ولم يصب التبريزي، وشارح جمهرة الأشعار في قولهما: حذف الفاء لعلم السامع، والتقدير: فإنا كذلك نحفى وننتعل. انتهى. وأشار إلى أن ما الثانية زائدة أيضاً. وروي بدلها: قد نحفى وننتعل وترينا: خطاب لامرأة. وحفاة: جمع حافٍ، وهو الذي يمشي بلا نعل. وجملة لا نعال لنا: صفة كاشفة لحفاة، قال الشارحان: المعنى إن ترينا نتبذل مرةً، وننتعم أخرى، فكذلك سبيلنا. وقيل: المعنى إن ترينا نستغني مرة، ونفتقر مرة، وقيل: المعنى إن ترينا نميل إلى النساء مرة، ونتركهن أخرى. انتهى. والبيت من قصيدة للأعشى مشهورة، قد الحقت بالمعلقات، وتقدم شرح أبيات منها. وقبله: قالت هريرةً لما جئت زائره *** ويلي عليك وويلي منك يا رجل قالوا: هذا البيت أخنث بيت قالته العرب. وزائرها: حال من التاء بتقدير زائراً لها. وإنما قالت له كذا لسوء حاله. وقولها: ويلي عليك لفقرك، وويلي منك لعدم استفادتي شيئاً منك. ثم اخذ في تبيين سبب سوء حاله بأنه قد أفنى ماله في ملاذ نفسه وشهواتها، فقال مجيباً لها بقوله: إما ترينا حفاةً، إلخ ، وهو بتقدير القول، أي: فقلت لها: إما ترين إلخ . وبعده: وقد أخالس رب البيت غفلته *** وقد يحاذر مني ثم ما يئل وقد أقود الصبا يوماً فيتبعني *** وقد يصاحبني ذو الشرة الغزل وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني *** شاوٍ مشلٌ شلولٌ شلشلٌ شول في فتيةٍ كسيوف الهند قد علمو *** أن هالكٌ كل من يحفى وينتعل نازعتهم قضب الريحان متكئ *** وقهوةً مزةً راووقها خضل لا يستفيقون منها وهي راهنةٌ *** إلا بهات وإن علوا وإن نهلوا يسعى بها ذو زجاجاتٍ له نطفٌ *** مقلصٌ أسفل السربال معتمل ومستجيبٌ تخال الصنج يسمعه *** إذا ترجع فيه القينة الفضل والساحبات ذيول إلخ ز آونةً *** والرافلات على أعجازها العجل من كل ذلك يومٌ قد لهوت به *** وفي التجارب طول اللهو والغزل قوله: وقد أخالس رب هذا البيت إلخ ، أسارق، ويروى: أراقب، وغفلته: بالنصب بدل اشتمال من رب البيت. وإنما يراقب غفلته ليلهو بامرأته. وهذا مما يقتضي بذل المال لها حتى توافقه. وقوله: ما يئل، أي: ما ينجو مني ولا يخلص، ووأل يئل بمعنى نجا ينجو، والموئل موضع النجاة. وقله: وقد أقود إلخ ، الصبا: اسم من صبا يصبو صبوة، أي: مال إلى الجهل والفتوة. وفيه قلب، أي: يقودني الصبا فأتبعه. والشرة بالكسر هي شرة الشباب، وهو حرصه ونشاطه. ويروى بدله: ذو الشارة وهي الهيئة الحسنة. والغزل بكسر الزاي، وهو الذي يحب الغزل بفتحتين، وهو محادثة النساء، وهذا أيضاً مما يوجب بذل الأموال. وقوله: وقد غدوت إلخ ، أي: ذهبت غدوة. والحانوت: بيت إلخ مار. والشاوي: الذي يشوي اللحم. والمشل بكسر الميم وفتح الشين: إلخ فيف في الحاجة. والشلشل، بضم الشينين: المتحرك. والشول، بفتح أوله وكسر ثانيه: الذي يحمل الشيء، يقال: شلت به وأشلته. وقيل هو من قولهم: فلان يشول في حاجته، أي يعنى بها، ويتحرك فيها. ومن رواه: شول بضم ففتح فهو معناه، إلا أنه للتكثير. وهذا أيضاً يحمل على الإسراف في المال. وقوله: في فتية إلخ ، أي: مع فتية، وشبههم بالسيوف في الصرامة والمضاء. وقوله: قد علمو إلخ ، هذا عذرهم في إتلاف المال في اللذات. وعدم ادخارهم شيئاً لأنه لا وجه لادخارهم، مع علمهم أنه لا ينجو شريف، ولا وضيع من الموت، ولا غنيٌ ولا فقير، وروى بدله: ............... قد علمو *** أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل أي: قد علموا أن ما قدر عليهم فلا بد أن يكون. يريد أن الفتيان قد علموا أن الموت يعم الناس جميعاً، فهم يبادرون إلى اللذات، قبل حلول الموت فيهم. وهذا البيت من شواهد كتاب سيبويه والمفصل وغيره، هو تخفيف أن المفتوحة، واسمها ضمير الشأن المحذوف. قال ابن جني في المحتسب عند قراءة الأعرج وغيره: أن لعنة الله وأن غضب الله: من خفف ورفع فأن عنده مخففة، واسمها ضمير الشأن محذوف، ولم يكن من إضماره بدٌ لأن المفتوحة إذا خففت لم تصر حرف ابتداء، إنما تلك إن المكسورة، وعليه قول الشاعر: قد علموا أن هالكٌ البيت أي: بأنه هالك كل من يخفى وينتعل. وسبب ذلك أن اتصال المكسورة باسمها وخبرها اتصال العامل بالمعمول فيه، واتصال المفتوحة باسمها وخبرها اتصالان: أحدهما: اتصال العامل بالمعمول فيه، وألاخر: اتصال الصلة بالموصول. ألا ترى أن ما بعد المفتوحة صلة، فلما قوي مع الفتح اتصال أن بما بعدها، لم يكن لها بدٌ من اسم مقدر محذوف تعمل فيه، ولما ضعف اتصال المكسورة بما بعدها جاز إذا خففت أن تفارق العمل، وتخلص حرف ابتداء، انتهى. وقال السيرافي: وفي كتاب مبرمان: هذا البيت معمول. والبيت: أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل قال: والشاهد في كلتا الروايتين واحد، لأنه في إضمار الهاء، وتقديره أنه هالك، وأنه ليس. قال ابن المستوفي: والذي ذكره السيرافي صحيح، ولا شك أن النحويين غيروه ليقع الاسم بعد أن المخففة مرفوعاً، وحكمه أن يقع بعد أن المثقلة منصوباً، فلما تغير اللفظ تغير الحكم. وقال سيبويه: أن هالك الرفع فيه على إضمار الهاء. انتهى. وقوله: نازعتهم قضب الريحان.. إلخ ، نازعتهم: جاذبتهم. وقضب: جمع قضيب، يريد: تناولت منهم قضب الريحان عند التحية، فإنهم يناولون الريحان عند ما يحيي بعضهم بعضاً. وقال الأصمعي: هذا تمثيل، يريد: نازعتهم حسن الأحاديث وطرائفها. والقهوة: إلخ مر. والمزة بالضم: المزاء التي فيها مزازة، والراووق: إناء إلخ مر، قاله ابن حبيب. وقال أبو عبيدة: الراووق والناجود: ما يخرج من ثقب الدن والمعروف من الكرابيس يروق فيه إلخ مر. والخضل، بفتح فكسر: الدائم الندي. وقوله: لا يستفيقون إلخ ، أي: شربهم دائم ليس لهم وقت معلوم يشربون فيه. والراهنة، بالنون: الدائمة، وقيل المعدة. والراهية بالمثناة التحتية: الساكنة. وقوله: إلا بهات، أي بقولهم: هات، أي: إذا ابطأ عنهم قالوا: هات. وقوله: إن علوا، أي: إن شربوا مرة بعد مرة. والعلل: الشرب الثاني. وقوله: نهلوا، أي: شربوا مرة واحدة. وقوله: يسعى بها، أي: بالقهوة، والنطف، بفتحتين: القرطة، والواحدة نطفة، وقيل: اللؤلؤ العظام. ومقلص بكسر اللام: مشمر، وهو صفة ذو زجاجات. والسربال: القميص. والمعتمل: الذي يعمل، وهو النشيط. وقيل النطف: التبان بلغة أهل اليمن، من جلد أحمر. وقوله: ومستجيب إلخ ، أي: وعندنا مستجيب، وأراد به العود، أي: إنه يجيب الصنج، فكأن الصنج دعاه فأجابه. قال أبو عمرو: يعني بالمستجيب العود شبه صوته بصوت الصنج، فكأن الصنج دعاه فأجابه. وروي بالجر فيكون معطوفاً على فتيةٍ قبله بأربعة أبيات. ويسمعه: روي بالبناء للفاعل، وبالبناء للمفعول، والقينة: فاعل ترجع، وهي عند العرب الأمة مغنيةً، كانت أم غير مغنية. والفضل، بضمتين، قال أبو عبيدة: هي التي عليها ثوب بلا درع. وقال أبو عمرو: هي التي لبست فضول ثيابها، وهي ثياب إلخ دمة. وقوله: والساحبات بالرفع والجر كالذي قبله. والرافلات: النساء اللواتي يرفلن بثيابهن، أي: يجررنها. والعجل بكسر ففتح: هو جمع عجلة، وهي مزادة كالإداوة. قال أبو عبيدة: شبه أعجازهن لضخمها بالعجل. وقال الأصمعي: أراد أنهن يخدمنه معهن العجل فيهن إلخ مر. وقوله: من كل ذلك إلخ ، خبره مقدم، ويوم: مبتدأ مؤخر، وقد لهوت به صفته، وفي التجارب خبر مقدم: جمع تجربة، وطول: مبتدأ، والغزل: معطوف عليه، بقول: لهوت في تجاربي، وغازلت النساء. وترجمة الأعشى تقدمت في الشاهد الثالث والعشرين من أوائل الكتاب. وأنشده بعده: لئن منيت بنا تمامه: ......... عن غب معركةٍ *** لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل وتقدم شرحه قريباً. وأنشد بعده: البسيط من يفعل الحسنات الله يشكرها تمامه: والشر بالشر عند الله مثلان وتقدم الكلام عليه في الشاهد الحادي والتسعين بعد الستمائة. وأنشد بعده: الرجز فإن عثرت بعدها إن وألت *** نفسي من هاتا فقولا: لا لعا على أنه إن دخل الشرط على شرط بدون فاء كان الجواب للشرط الأول، وكان الشرط الأول مع جوابه جواب الشرط الثاني. والتقدير: إن وألت نفسي، فإن عثرت بعدها، فقولا: لا لعا. وهذا البيت من مقصورة ابن دريد المشهورة، وهو من المولدين، فكان الأولى الاستشهاد بكلام من يوثق به، كقوله: البسيط إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدو *** منا معاقل عزٍ زانها كرم أي إن تذعروا فإن تستغيثوا بنا تجدو إلخ ، وفيه ضرورة، وهو وقوع الشرط الثاني المحذوف جوابه مضارعاً، والقياس مضيه كما تقدم. ونقل شراح التسهيل عن ابن مالك أن الشرط الثاني مقيد للأول بمثابة الحال، فكأنه قيبل في البيت: إن تستغيثوا بنا مذعورين. وجعله بعضهم مؤخراً في التقدير، فكأنه قال: إن تستغيثوا بنا، تجدوا معاقل عزٍ إن تذعروا، وما قبله الجواب، فهو على هذا مقدم في المعنى. قال ابن عقيل: والصحيح في مسألة توالي الشروط أن الجواب للأول، وجواب الثاني محذوف لدلالة الشرط الأول وجوابه عليه، وجواب الثالث محذوف لدلالة الشرط الثاني وجوابه عليه. فإذا قلت: إن دخلت الدار إن كلمت زيداً إن جاء إليك، فأنت حر، فقولك: فأنت حر جواب إن دخلت، وإن دخلت وجوابه دليل جواب إن كلمت، وجوابه دليل جواب إن جاء. والدليل على الجواب جواب في المعنى، والجواب متأخر، فالشرط الثالث مقدم، وكذا الباقي، وكأنه قيل: إن جاء فإن كلمت فإن، دخلت فأنت حر. فلا يعتق إلا إذا وقعت هكذا: مجيئٌ، ثم كلام، ثم دخول. والسماع يشهد لهذا القول، قال: إن تستغيثوا بنا البيت. وعليه عمل فصحاء المولدين، وقال ابن دريد: فإن عثرت بعدها إن وألت البيت وقال بعض الفقهاء: الجواب للأخير، والشرط إلخ ير وجوابه جواب الثاني، والشرط الثاني، وجوابه جواب الأول، وعلى هذا لا يعتق حتى يوجد كذلك دخولٌ، ثم كلام، ثم مجيء. وقال بعضهم: إذا اجتمعت حصل العتق تقدم المتأخر ولا. وما ذكر محمول على ما إذا كان التوالي بلا عاطف، فإن عطف أحد الشرطين على إلخ ر، فإن كان العطف بأو فالجواب لأحدهما من الأول والثاني دون تعيين، نحو: إن جئتني وإن أكرمت زيداً أحسن إليك. وقالوا: فيما إذا دخلت الفاء على أداة شرط بعد أخرى، نحو: إن جئتني فإن أحسنت إلي جئتك: إن الجواب للثاني، وما دخلت عليه الفاء من الشرط وجوابه جواب الأول. وهذا فيه إخراج الفاء عن العطف، وجعلها لربط جملة الجزاء بالشرط. وقال ابم مالك في شرح الكافية: إذا اجتمع شرطان بعطفٍ فالجواب لهما، كقوله تعالى: {وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسئلكم أموالكم إن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم}. وهذا على مقتضى ما سبق فيما إذا كان العطف بالواو وإن تكررت أداة الشرط، وفيما إذا كان العطف بالفاء، وإنما تكرر الشرط بلا أداة في المكرر. وأما المعطوف بأو فلا يدخل في هذا، لماعلم أن ان ولأحد الشيئين والأشياء، فليس المقصود مجموع الشرطين بل أحدهما، وهذا بخلاف ما نحن فيه؛ فإن المقصود المجموع، فالتوالي على الجواب، لم يتحقق في العطف بالواو، والفاء. قال ابن عقيل: وثبت في نسخة من التسهيل عليها خطه بعد قوله: وإن توالى شرطان، وقسم وشرط استغني بجواب سابقهما ما نصه: وثاني الشرطين لفظ ولهما معنى في نحو: إن تتب إن تذنب ترحم. وظاهر هذا الكلام يقتضي أنه إنما يرى تقديم المؤخر فيما كان نحو هذا، وهو ما يكون فيه الأول مترتباً على الثاني وقوعاً عادة، فهو موافق للقول الأول الصحيح من وجهٍ ومخالفه من وجه. فالموافقة في اعتقاد التقديم من تأخيره، والمخالفة في الإشعار باالتفصيل، إذ قضيته أنهما إذا لم يكونا كذلك فكل منهما واقع موقعه، نحو: إن جئتني أن أحسنت إلي أكرمتك. وأصحاب القول الأول لا يفرقون بين المرتبة وغيرها، فالمتأخر عندهم متقدم مطلقاً. انتهى. وبيت أبن دريد قبله: ما كنت أدري ما الزمان مولعٌ *** بشت ملومٍ وتنكيت قوى أن القضاء قاذفي في هوةٍ *** لا تستبل نفس من فيها هوى وبعده: وإن تكن مدتها موصولةً *** بالحتف سلطت الأسى على الأسى وقوله: ما كنت أدري إلخ ، المولع: من أولع بالشيء على ما لم يسم فاعله، فهو مولع بفتح اللام، أي: مغرم به، والباء متعلقة به. والشت: مصدر شت الأمر يشت بالكسر شتاً وشتاتاً، أي: تفرق. وجملة والزمان مولع إلى آخر البيت اعتراض بين أدري، وبين ما سد مسد مفعوليها، وهو أن القضاء البيت الآتي. والملوم: المجتمع. والتنكيث: النقض. والقوى: جمع قوة، وهي في الأصل إحدى طاقات الحبل، ثم استعير. ويكتب بالألف عند البصريين لأن ألفه منقلبة عن واو. وبالياء عند الكوفيين لانضمام أوله. وهذا المعنى مأخوذ من قو جرير: البسيط لا يأمنن قويٌ نقض مرته *** إني أرى الدهر ذا نقضٍ وإمرار وقوله: أن القضاء إلخ ، أن بفتح الهمزة مع معمولها سدت مسد المفعولين لأدري في البيت السابق. والقاذف: الرامي، وهو مضاف إلى ياء المتكلم. والهوة بضم الهاء: حفرة يضيق أعلاها، ويتسع أسفلها. ولا تستبل: لا تبرأ، من بل من مرضه، وأبل، وإذا برأ منه. وكان حقه أن يقول: لا تنجو ولا تخلص ونحوهما. وجملة: لا تستبل إلخ ، صفة هوة. وهوى: سقط، يكتب بالياء. وهذا المعنى مأخوذ من قول الأفوه الأودي: الرمل فصروف الدهر في أطباقه *** خلفةٌ فيها ارتفاع وانحدار بينما الناس على عليائه *** إذ هووا في هوةٍ منها فغاروا وقوله: فإن عثرت إلخ ، عثرت: سقطت، ومصدره العثار. وأما العثور فهو مصدر عثرت عليه بمعنى اطلعت عليه. وألت: نجت وخلصت، وفعله وأل يئل وألاً من باب ضرب. والموئل: موضع النجاة. والضمير في بعدها راجع إلى الهوة، وقيل: راجع إلى العثرة المفهومة من عثرت. ونفسي: فاعل وألت. هاتا بمعنى هذه، والمشار إليه الهوة. وها: حرف تنبيه. وتا: اسم إشارة للمؤنث، وهي تستعمل على أربعة أضرب: إما أن تستعمل مفردة وليس معها ها تنبيه ولا حرف خطاب، كقولك: تا، وهذا أخصر ما يكون. وإما أن يكون معها حرف التنبيه مثل هاتا. وإما أن يكون خطاب، وتنبيه مثل: ها تاك، وخطاب بلا تنبيه مثل: تاك. وقوله: لا لعا، قال إلخ ليل: لعاً كلمة تقال عند العثرة. وقال ابن سيده: لعاً كلمة يدعى بها للعاثر، معناها الارتفاع. وقال أبو محمد بن السيد: لعاً من أسماء الفعل مبني على السكون، والتنوين فيه علامة التكير كالتنوين في صهٍ، ومهٍ. وهي كلمة يراد بها الانجبار والارتفاع. وقد بين أبو عثمان سعيد بن عثمان القزاز الفعل الذي لعاً اسمه فقال: يقال لعا لك الله، أي: نعشك الله ورفعك. فلعا اسم لنعش، كما أن هيهات اسم لبعد، وصه اسم لاسكت. ولا في قوله لا لعا: نفي للدعاء. ولعا تكتب بالألف، لأنها منقلبة عن واو، ولذلك أدخله إلخ ليل وغيره في باب العين واللام والواو. وحكى أبو عبيد في الأمثال: ومن دعائهم لا لعاً لفلان، أي: لا أقامه الله؟ فجعل لعا اسماً لأقامة الله. وهو قريب من القول الأول، لأنه إذا اقامه فقد رفعه، وإذا رفعه فقد نعشه. وقد رد عليه ذلك أبو عبيد البكري، وقال: هذا ما قاله أحد، وإنما قال اللغويون: لعاً: كلمة تقال للعاثر في معنى اسلم، وكذلك دعدع. وقد روي في حديث مرفوع: أن كره أن يقال للعاثر دعدع، وليقل له: اللهم ارفع وانفع . وقال ألعشى ميمون: البسيط بذات لوثٍ عفراناةٍ إذا عثرت *** فالتعس أدنى لها من أن يقال لعا ومعنى البيت ينظر إلى قوله عليه الصلاة والسلام: لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين ، وتأويله: أنه ينبغي له إذا نكب من وجهٍ أن لا يعود لمثله، فابن دريد، يقول: إن عثرت بعد أن نجت نفسي من هذه فحقي أن يقال لي: لا لعهاً، لأني خالفت قول النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: وإن تكن مدته إلخ ، أي: مدة النكبة، المفهومة من قوله: أن القضاء قاذفي في هوة وموصولة: متصلة. والحتف: الموت، يقال: مات فلان حتف أنفه، وحتف أنفيه، إذا مات على فارشه من غير قتل. والأسى الأول بكسر الهمزة وضمها والقصر، جمع إسوة بكسر الهمزة وضمها، وهو القدوة وما يتأسي بن الحزين، أي: يتعزى ويتسلى، يكتب بالياء على مذهب الكوفيين وبالأف عند البصريين، لأن ألفه منقلبة عن الواو. والأسى الثاني بفتح الهمزة والقصر، هو الحزن ويكتب بهما، لأن التثنية أسيان وأسوان. وأما الإساء بكسر الهمزة والمد فهو الدواء، واسم الفاعل الآسي كالقاضي، وهو المداوي والطبيب، وجمعه الإساء، كراع ورعاء، ويجمع على أساة أيضاً، كرام ورماة. ومعنى البيت مأخوذ من قول إلخ نساء: الوافر وما يبكون مثل أخي ولكن *** أعزي النفس عنه بالتآسي وقال الشمردل بن شريك، وقيل غيره: الطويل ولولا الأسى ما عشت في الناس ساعةً *** ولكن إذا ماشئت جاوبني مثلي وترجمة ابن دريد تقدمت مع شرح أبايت من هذه المقصورة في الشاهد الثامن والسبعين بعد المائة. وأنشد بعده: الطويل فأما الصدور لا صدور لجعفرٍ على أنه لا تحذف الفاء من جواب أما إلا في الضرروة كما هنا، فإن التقدير: فلا صدور لجعفر. والصدور: مبتدأ، وجملة: لا صدرو لجعفر من اسم لا النافية للجنس وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ. وهذا كقوله: الطويل فأما القتال لا قتال لديكم وتقدم الكلام عليه في الشاهد السادس والسسبعين من أوائل الكتاب. ورابط الجملة بالمبتدأ هو العموم المستفاد من النفي، فإن قوله: لا صدور عام يشمل الصدور المتقدمة وغيرها، فصار بمنزلة الذكر العائد، وقد بين هناك. وهذا المصارع صدر، وعجزه: ولكن أعجازاً شديداً ضريرها هكذا أنشده جماعة من النحويين، منهم أبو علي في التذكرة وغيرها، وابن جني في سرالصناعة وغيره، وابن يعيش وابن خلف وغيرهم. ووقع في نسخ الشرح: لديكم بدل لجعفر. وهو تخليط من النساخ. وقبله: تزاحمنا عند المكارم جعفرٌ *** بأعجازها إذا أسلمتها صدورها كذا أنشدهما يعقوب بن السكيت عن المفضل، لرجلٍ من الضباب في كتاب أبيات المعاني، وقال: يقول: بنو جعفر ضعفاء عن حربنا، استعانوا بالنساء. وذلك أن قطية بنت الحارث تزوجها بشر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، فكان بين الضباب وجعفر حرب، فأعانت بنو أمية بني جعفر على الضباب. انتهى كلامه. وجعفر: أبو قبيلة، وهو جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وقوله: بأعجازها متعلق بتزاحمنا. والأعجاز: جمع عجز. والعجز من كل شيء: مؤخره. والعجز من الرجل والمرأة: ما بين الوركين. وأراد بالأعجاز هنا النساء، لأنهن متأخرات عن الرجال. وأسلمتها: خذلتها وما اعانتها. والصدور: جمع صدر، وهو من الإنسان وغيره فوق البطن. وأراد بالصدور هنا أكابرهم وأشارفهم. والضرير، بالضاد المعجم: المضارة، وأكثر ما يستعمل في الغيرة، يقال: ما أشد ضريره عليها. والضرير أيضاً: التحمل والصبر، يقال: إنه لذو ضرير على الشيء، إذا كان ذا صبرٍ عليه ومقاساةٍ له. وناقة ذات ضرير، إذا كانت بطيئة التعب. والضرير أيضاً حرف الوادي، يقال: نزل فلان على أحد ضريري الوادي، أي: على أحد جانبيه. يقول: إن بني جعفر لا رجال فيهم، فهم كالنساء، وأما نساؤهم فهن شديدات الضرر، فهن كالرجال في المقاومة، والمادفعة، وإيصال الضرر. وقطية بنت الحارث على لفظ مصغر القطاة. والضباب، بكسر الضاد المعجمة، هو أخو جعفر بن كلاب المذكور، واسمه معاوية، وأمهما ذؤيبة بنت عمرو بن مرة بن صعصعة. وهو أبو قبيلة أيضاً، سمي الضباب بأسماء أولاد ابنه عمرو، فإن ابنه عمراً ولد له ضبٌ، ومضب، وضباب، وحسلٌ، وحسيل. وبهذه الأسماء سمو الضباب. وقائل البيتين شاعر إسلامي. والله أعلم. وأنشد بعده: إلخ فيف لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ وتمامه: نغص الموت ذا الغنى والفقيرا وتقدم شرحه في الشاهد الستين من أوائل الكتناب في باب المبتدأ والخبر. وأنشد بعده: الطويل وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم وتمامه: وأكرومة الحيين خلوٌ كما هيا وتقدم الكلام عليه في الشاهد السابع والسبعين من أوائل الكتاب. وأنشد بعده: الطويل رأت رجلاً أيما ذا الشمس عارضت *** فيضحى وأيما بالعشي فيخصر على أن ابن خروف، قال: قد يبدل الميم الأول من أما ياء كما في البيت. أقول: أورده أبو العباس المبرد في الكامل في ثلاثة مواضع، فرواه في أول الثلث الثالث بالإبدال في الموضع الأول فقط، ورواه في آخر الثلث الأول: أما بالتشديد على الأصل في الموضعين بلا إبدال، ورواه في أوائله: أيما بالإبدال في الموضعين، فإنه أورد بعض أبيات لجميل بن معمر، منها في وصف قوس: الطويل على نبعةٍ زوراء أيما خطامه *** فمتنٌ وأيما عودها فعتيق وقال: قوله: أيما، يريد: أما، واستثقل التضعيف، فأبدل الياء من أحد الميمين. وينشد بيت ابن أبي ربيعة. رأت رجلاً أيما إذا الشمس عارضت *** فيضحى وأيما بالعشي فيخصر وهذا يقع، وإنما بابه أن يكون قبل المضاعف كسرة فيما يكون على فعال، فيكرهون التضعيف والكسرة، فيبدولن من المضعف الأول ياء للكسرة، وذلك قولهم: دينار وقيراط وديوان، وما أشبه ذلك. فإن زالت الكسرة، وانفصل أحد الحرفين من إلخ ر رجع التضعيف، فقلت: دنانير، وقراريط، ودواوين، وكذلك إن صغرت، فقلت: قريريط، ودنينير، انتهى كلامه. وقوله: وهذا يقع، يريد أنه نادر. وهذا البيت من قصيدة لعمر بن أبي بربيعة، وقد سقناها برمتها مع شرح أبياتٍ منها في الشاهد التسعين بع الثلثمائة، شرح أبيات أخر منها في باب العدد. قال المبرد في الموضع الثاني: ومما يستظرف في النحافة قول ابن أبي ربيعة: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت *** فيضحى وأما بالعشي فيخصر أخا سفرٍ جواب أرضٍ تقاذفت *** به فلواتٌ فهو أشعث أغبر قليلاً على ظهر المطية ظله *** سوى ما نفى عند الرداء المحبر ومن أعجب ما قيل في النحافة قول مجنون بني عامر: الطويل ألا إنما غادرت يا أم مالكٍ *** صدى أيمنا تذهب به الريح يذهب ومن الإفراط فيه قول آخر: الطويل فلو أن ما بقيت مني معلقٌ *** بعود ثمامٍ ما تأود عودها انتهى. قوله: رأت رجل إلخ ، فاعل رأت ضمير تنعم وأسماء، في بيت قبله: قفي فانظري يا أسم عل تعرفينه *** أهذا المغيري الذي كان يذكر فقالت: نعم لا شك غير لونه *** سرى الليل يحيى نصه والتهجر والقائلة قفي محبوبته نعم. والمغيري: نسبة إلى جده المغيرة بن عبد الله، وتقدم شرحهما هناك. وجملة أيما إذا الشمس إلخ ، صفة لرجلاً، والأصل رجلاً يضحى وقت معارضة الشمس إياه، ويخصر بالعشي، فهو أخو سفرٍ يصلى الحر والبرد بلا ساتر، فجيء بأيما للتفصيل. وإذا: ظرف ليضحى، قدم عليه لوجوب الفصل بين أما والفاء. والشمس فاعل فعلٍ محذوف يفسره ما بعدها، وعارضت: قابلت، والمفعول محذوف، أي: عارضته. ومعارضة الشمس: ارتفاعها حتى تصير في حيال الرأس. قال ابن السيد فيما كتبه على الكامل: عارضت: صارت قبالة العيون في القبلة. قال صاحب الصحاح: وضحيت بالكسر ضحى: عرقت. وضحيت أيضاً للشمس ضحاء بالمد، إذا برزت. وضحيت بالفتح مثله. والمستقبل أضحى في اللغتين جميعاً. انتهى. وحاصله أنه جاء من باب فرح ومنع. وقال المبرد في الثلث الثالث: قوله يضحى: يظهر للشمس. وقوله: فيخصر يقول في البردين. وإذا ذكر العشي، فقد دل على عقيب العشي. قال: الله تبارك وتعالى: {وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى}. انتهى. وقال الفراء في تفسير قوله تعالى: ولا تضحى: لا تصيبك شمس مؤذية. وفي بعض التفسير: ولا تضحى: لا تعرق. والأول أشبه بالصواب. قال الشاعر: رأت رجلاً أما إذا الشمس البيت فقد بين. انتهى. وقوله: وأيما بالعشي فيخصر الظرف متعلق بما بعده: وقدم عليه وجوباً للفصل بين أما والفاء. والعشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة. كذا في الصحاح. ويقابله الغداة. ويقال لهما: البردان والأبردان. وإذا برد الرجل في العشي؛ فمن الضرورة أن يبرد بالغداة، فهو يريدهما لاستلزام أحدهما للآخر، كما أشار إليه المبرد. ويخصر، بالخاء المعجمة والصاد المهملة، قال صاحب الصحاح: إلخ صر بالتحريك: البرد، يقال: قد خصر الرجل، إذا آلمه البرد في أطرافه. يقال: خصرت يدي. وخصر يومنا: اشتد برده، وماء خصر: بارد. انتهى. وقوله: أخا سفر صفة أخرى لرجلاًَ. والجواب: صفة مبالغة من جاب الأرض يجوبها جوباً، إذا قطعها بالسير. والتقاذف: الترامي. والفلاة: الأرض التي لا ماء فيها. والأشعث: وصف من شعث الشعر شعثاً، فهو شعث، من باب تعبٍ، أي: تغير وتلبد لقلة تعهده بالدهن. ورجل أشعث. وامرأة شعثاء. والشعث أيضاً: الوسخ، ورجل شعث: وسخ الجسد. وشعث الرأس أيضاً، وهو أشعث أغبر، أي: من غير استحداد ولا تنظف. والشعث أيضاً: الانتشار والتفرق كما يتشعث رأس المسواك، وفي الدعاء: لم الله شعثكم، أي: جمع أمركم. كذا في المصباح. وقوله: قليلاً على ظهر المطية إلخ ، هذا وصف آخر لرجلاً، ومعنى النحافة التي ذكرها المبرد في هذا البيت، وبيانها أن العرب تستعمل القلة بمعنى الحقارة، فيقولون لكل شيء حقير: قليل، ويجعلون القلة أيضاً بمعنى النفي، فيقولون: قل رجل يقول ذلك إلا زيد. ويقال لشخص كل شيء؟ ظل. فالمعنى أنه لا شخص له من النحافة، إلا أن رداءه المحبر يعظم جسمه، فينفي عنه بعض النحافة. وهو مثل قول إلخ ر: الكامل فانظر إلى جسمي الذي موهته *** للناظرين بكثرة الأثواب وهذا نحو قول المتنبي: البسيط روحٌ تررد في مثل إلخ لال إذ *** أطارت الريح عنه الثوب لم يبن وقد يجوز أيضاً أن يريد الظل بعينه، أي: لولا ظل ثوبه لم يكن لظل جسمه ظلٌ يرى. وقيل: معنى ظله: استضلاله، أي: لا يأوي إلى ظل، فلا ينفي عنه حر الشمس إلا ما كان من ردائه. والرداء: ما يلبس على النصف الأعلى. وإلإزار: ما يلبس في النصف الأسفل. وهما إذا كانا من جنس واحد حلة. والمحبر، بالحاء المهملة: المزين والمنقش، يقال: حبرت الشيء حبراً من باب قتل. إذا زينته، وحبرته بالتشديد مبالغة. وترجمة عمر بن أبي ربيعة تقدمت في الشاهد السابع والثمانين من أوائل الكتاب. أنشد فيها: الطويل بحوران يعصرن السليط أقاربه وتقدم شرحه والكلام عليه في الشاهد السادس والسبعين بعد الثلثمائة من باب العلم. ومر في باب التأنيث أيضاً. أنشد فيه: الوافر وقولي إن أصبت لقد أصابن وتقدم شرحه مفصلاً في الشاهد الرابع من باب الإعراب من أول الكتاب. وأنشد بعده: الرجز وحاتم الطائي وهاب المئي وتقدم شرحه في الشاهد الرابع والأربعين بعد إلخ مسمائة في باب العدد. وفي باب الجمع أيضاً. وأنشد بعده: وهو من شواهد س: المتقارب فألفيته غير مستعتبٍ *** ولا ذاكر الله إلا قليلا على أن حذف التنوين من ذاكر الله لضرورة الشعر، فإن ذاكراً بالنصب والتنوين معطوف على غير، ولفظ الجلالة منصوب بذاكراً، ولو كان مضافاً إلى الجلالة، لكان حذف التنوين واجباً لا ضرورة. وإنما آثر حذف التنوين للضرورة على حذفه للإضافة لإرادة تمثل المتعاطفين في التنكير، والتنوين يحذف وجوباً للإضافة، نحو: غلامك؛ ولشببها، نحو: لا مال لزيد، إذا لم تقدر اللام مقحمة، فإن قدرت فهو مضاف ولدخول أل كالرجل، ولمانع الصرف نحو: فاطمة، وللوقف في غير النصب، وللاتصال بالضمير، نحو: ضاربك فيمن قال إنه غير مضاف، وللبناء في النداء وغيره نحو: يا رجل، ولا رجل، ولكون الاسم علماً موصوفاً بابن كما في الشرح. وحذفه في غير ذلك، فإنما سببه مجرد التقاء الساكنين، وهو غير جائز إلا في الشعر. وقد نص سيبويه عليه في باب الذي ترجمته باب من اسم الفاعل جرى مجرى الفعل المضارع في المفعول في المعنى، قال: وزعم عيسى أن بعض العرب ينشد هذا البيت: فألفيته غير مستعتبٍ البيت لم يحذف التونين استخفافاً ليعاقب المجرور، ولكنه حذفه لالقتاء الساكنين. وذا اضطرار. انتهى. قال الأعلم: الشاهد فيه حذف التنوين من ذاكراً لالتقاء الساكنين، ونصب ما بعده وإن كان الوجه إضافته، وفي حذف تنوينه لالتقاء الساكنين وجهان: أحدهما: أن يشبه بحذف النون إلخ فيفة إذا لقيها ساكن، كقولك: اضرب الرجل، يريد: اضربن الرجل. والوجه الثاني: أن يشبه بما حذف تنوينه من الأسماء الأعلام إذا وصف بابن مضاف إلى علم. وأحسن ما يكون حذف التنوين للضرورة في مثل قولك: هذا زيد الطويل، لأن النعت والمنعوت كالشيء الواحد، يشبه المضاف والمضاف إليه، انتهى. وقال ابن خلف: تحريك التنوين لالتقاء الساكنين أجود من حذفه، إذ هو حرف يحتمل التحريك، والذي يحذفه يشبهه بحروف المد واللين. قال المبرد: قد قرأت القراء:: قل هو الله أحد الله الصمد وليس الوجه حذف التنوين لالتقاء الساكنين، إنما يحذف من الحروف لالتقاء الساكنين حروف المد واللين، ويجوز هذا في التنوين تشبيهاً بهن. وقال أبو الحسن: سمعت محمد بن يزيد بن المبرد، يقول سمعت عمارة يقر: ولا الليل سابق النهار . قال أبو الحسن: والأولى: سابق النهار ولا ذاكر الله. وإنما الضرروة قوله: الكامل عمرو الذي هشم الثريد لقومه وهو في النعت أسهل منه في إلخ بر كزيد الظريف قائم. انتهى. وحذف التنوين في الاثنين لا شك في شذوذه، كما قال الشارح المحقق. وجعل ابن هشام في المغني حذف التنوين لالتقاء الساكنين من القلة، وأورد البيت والآيتين. وهو في هذا مخالف لسيبويه والجمهور. وممن تبع سيبويه ابن الشجري، قال في أماليه: ومن حذف التنوين لالتقاء الساكنين ما روي عن أبي عمرو في بعض طرقه: قل هو الله أحد الله الصمد وحذفه على هذا الوجه متسع في الشعر، وكقوله: المتقارب حميد الذي أمجٌ داره *** أخو إلخ مر ذو الشيبة الأصلع وكقول إلخ ر: الرجز حيدة خالي ولقيطٌ وعلي *** وحاتم الطائي وهاب المئي وقال عبد الله بن قيس الرقيات: إلخ فيف كيف نومي على الفارش ولم *** تشمل الشام غارةٌ شعواء تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي *** عن خدام العقيلة العذارء أراد: وتبدي العقيلة العذارء لها عن خدام. والخدام: إلخ لخال. أي: ترفع المرأة الكريمة ثوبها للهرب، فيبدو خلخالها. والجملة التي هي تبدي العقيلة موضعها رفع بالعطف على جملة تذهل الواقعة نعتاً لغارة، والعائد إلى الموصوف من الجملة المعطوفة محذوف، تقديره: وتبدي العقيلة العذارء لها عن خدام، أي: لأجلها. والشعواء: المتفرقة. وحكي عن القاضي أبي سعيد السيرافي أنه قال: حضرت في مجلس أبي بكر بن دريد، ولم أكن قبل ذلك رأيته، فجلست في ذيله، فأنشد أحد الحاضرين بيتين يعزيان إلى آدم عليه السلام، قالهما لما قتل ابنه قابيل هابيل، وهما: الوافر تغيرت البلاد ومن عليه *** فوجه الارض مغبرٌ قبيح تغير كل ذي حسنٍ وطيبٍ *** وقل بشاشة الوجه المليح فقال أبو بكر: هذا شعر قد قيل في صدر الدنيا وجاء فيه الإقواء. فقلت: إن له وجهاً يخرجه من الإقواء، فقال: ما هو؟ قلت:: نصب بشاشة وحذف التنوين منها لالتقاء الساكنين لا للإضافة، فتكون بهذا التقرير نكرةً منتصبة على التمييز، ثم رفع الوجه وصفته بإسناد قل إليه، فيصير اللفظ: وقل بشاشة الوجه المليح، فقال: ارتفع، فرفعني حتى أقعدني إلى جنبه. انتهى كلام ابن الشجري. أقول: وتوجيه السيرافي فيه تخلص من ضرورة إلى ضرورة. وقد استشهد بالبيت الشاهد الزمخشري والبيضاوي،عند قراءة الأعمش: كل نفسٍ ذائقة الموت ، بترك التنوين ونصب الموت. وأورده الفراء قبلهما عند هذا الآية. قال: لو نونت ذائقة، ونصبت الموت كان صواباً، وأكثر ما يختار العرب التنوين والنصب في المستقبل، فإذا كان معناه ماضياً، لم يكادوا يقولون إلا بالإضافة، ويختارون أيضاً التنوين إذا كان مع الجحد. من ذلك قولهم: ما هو بتاركٍ حقه، لا يكادون يتركون التنوين، وتركه كثير جائز، وينشدون قول أبي الأسود: فألفيته غير مستعتبٍ *** ولا ذاكر الله إلا قليلا فمن حذف النون ونصب، قال: النية التنوين مع الجحد، ولكني أسقطت النون للساكن، وأعلمت معناها. ومن خفض أضاف. هذا كلامه، وهو صريح في جوازه في الكلام، والصحيح مذهب سيبويه. والبيت من أبيات لأبي الأسود الدئلي. وروى الأصبهاني في كتاب الأغاني بسنده عن أبي عوانة، قال: كان أبو الأسود يجلس إلى فناء امرأةٍ بالبصرة فيتحدث إليها، وكانت جميلة، فقالت له: يا أبا الأسود، هل لك أن أتزوجك، فإني صناع الكف، حسنة التدبير، قانعة بالميسور؟ قال: نعم. فجمعت أهلها وتزوجته، فوجدها بخلاف ما قالت، وأسرعت في ماله، ومدت يدها إلى جبايته، وأفشت سره، فغدا على من كان حضر تزويجه إياها فسألهم أن يجتمعوا عنده، ففعلوا فقال لهم: المتقارب أريت أمرأً كنت لم أبله *** أتاني فقال اتخذني خليلا فخاللته ثم أكرمته *** فلم أستفد من لديه فتيلا وألفيته حين جربته *** كذوب الحديث سروقاً جميلاً فذكرته ثم عاتبته *** عتاباً رفيقاً وقولاً جميلاً فألفيته غير مستعتبٍ *** ولا ذاكر الله إلا قليلا ألست حقيقاً بتوديعه *** وإتباع ذلك صرماً طويلا فقال له: بلى والله يا أبا الأسود، فقال: تلك صاحبتكم، وقد طلقتها، وأنا أحب أن أتسر ما أنكرته من أمرها. فانصرفت معهم. انتهى. وقد أورد ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب سبباً لهذه الأبيات لا يلائمها، وتبعه ابن خلف، وابن المستوفي، وغيرهما، وهو ما لا يكاد يقضي منه العجب، قال: سبب هذا الشعر أن رجلاً من بني سليم، يقال له: نسيب بن حميد، كان يغشي أبا الأسود، ويظهر له محبة شديدة، ثم إن نسيباً قال لأبي الأسود: قد أصبت مستقة أصبهانية، وهي جبة فراء طويلة الكمين، فقال له أبو الأسود: أرسل بها إلي حتى أنظر إليها. فأرسل بها فأعجبته، فقال لنسيب: بعنيها بقيمتها. فقال: لا بل أكسوكها. فأبى أبو الأسود يقبلها إلا بشراء، فقال له: أرها لمن يبصرها، ثم هات قيمتها. فأراها أبو الأسود فقيل له: هي ثمن مائتي درهم. فذكر ذلك لنسيب فأبى أن يبيعه فزاده أبو الأسود حتى بلغ بالثمن مائتي درهم وخمسين درهماً، فأبى نسيب أن يبيعها، وقال: خذها إذن هبةً، فيقول: ذكرته ما بيننا من المودة فألفيته، أي: وجدته، غير مستعتب، أي: غير راجع بالعتاب عن قبيح ما يفعل. هذا كلامه. وقوله: أريت امر إلخ ، سلك أبو الأسود بهذا الكلام طريق التعمية على مخاطبة ليتم ما يريد، ولو نسب هذه العيوب إليها مصرحاً بها، لربما دافعوا عنها. وأريت بمعنى أخبرني، وأصله الهمزة فيه للاستفهام، وريت أصله رأيت، حذف الهمزة وهي عين الفعل تخفيفاً. قال صاحب الصحاح: وربما جاء ماضيه بلا همزة، قال الشاعر: إلخ فيف صاح هل ريت وسمعت براعٍ *** رد في الضرع ما قوى في الحلاب وكذلك قالوا في: أرأيت، وأرأيتك، وأريتك بلا همزة. قال أبو الأسود: أريت امرأً كنت لم أبله البيت وقال الكرماني في شرح البخاري: أرأيت بمعنى أخبرني، وفيه تجوز إطلاق الرؤية، وإرداة إلخ بار، لأن الرؤية سبب إلخ بار. وجعل الاستفهام بمعنى الأمر، بجامع الطلب. انتهى. والرؤية هنا منقولة من رؤية البصر، ولهذا تعدت إلى مفعول واحد، وزعم ابن هشام في المغني أن أرأيتك منقول عن الرؤية العلمية، تقضي مفعولين، فيقدر الثاني إذا لم يوجد، وهو تكلف. وأبله من بلاه يبلوه بلواً: إذا جربه واختبره، وخاللته: تخذته خليلاً، والفتيل: الشيء الحقير، وأصله ما يوجد في بطن النواة. والرفيق من الرفق: ضد العنف. وقوله: فألفيته غير مستعتب، ألفي: بمعنى وجد، يتعدى لمفعولين كما تقدم، وعند بعضهم المفعول الثاني حال. ومستعتب: اسم فاعل الراجع بالإعتاب. واستعتب وأعتب بمعنى، وعتب عليه عتباً من باب ضرب وقتل، إذا لامه في تسخط، وأعتب: أزال الشكوى، فالهمزة للسلب. واستعتب: طلب الإعتاب. والعتبي اسم للإعتاب. والمعنى ذكرته ما كان بيننا من العهود، وعاتبته على تركها، فوجدته غير طالب رضائي. وقوله: لا ذاكر الله روى بنصب ذاكر وجره، فالنصب للعطف على غير. وقال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل: نصب ذاكراً على أن لا بمعنى غير، وقد تعذر فيها الإعراب فأعرب ما بعدها، كما في نحو: جاءني رجل لا عالم ولا عاقل. انتهى. والجر للعطف على مستعتب، ولا لتأكيد النفي المستفاد من غير، وعلى هذه الرواية اقتصر ابن الشجري، فقال: عطف نكرة على نكرة مجرورة بإضافة غير إليها، وانتصاب غير على الحال. انتهى. والتوديع، هنا الفراق. والصرم، بالضم: الهجر. وترجدمة أبي الأسود تقدمت في الشاهد الأربعين من أوائل الكتاب. أنشد فيه. وهو من شواهد س: الكامل أفبعد كندة تمدحت قبيلا على أنه أكد الفعل، وهو تمدح بالنون، لوقوعه بعد الاستفهام، وهو الهمزة. قال سيبويه: ومن مواضعها الأفعال غير الواجبة التي تكون بعد حروف الاستفهام، وذلك لأنك تريد: أعلمني إذا استفهمت. وهي أفعال غير واجبة، فصارت بمنزلة أفعال الأمر والنهي، فإن شئت أقحمت النون، وإن شئت تركت، كما فعلت ذلك في الأمر والنهي، وذلك قولك: هل تقولن، وأتقولن ذاك؟ وكم تمكثن؟ وانظر متى تفعلن. وكذلك جميع حروف الاستفهام. وقال الأعشى: المتقارب فهل يمنعني ارتيادي البل *** د من حذر الموت أن يأتين وقال: الطويل فأقبل على رهطي ورهطك نبتحث *** مساعينا حتى ترى كيف نفعلا فهذه إلخ فيفة. وقال: أفبعد كندةً تمدحن قبيلا وقال: الرجز هل تحلفن يا نعم لا تدينها هذه إلخ فيفة. انتهى. قال الأعلم في البيت الأول: الشاهد فيه توكيد يمنعني بالنون الثقيلة، لأنه مستفهم عنه غير واجب كالأمر، فيؤكد كما يؤكد الأمر. والارتياد: المجيء والذهاب، أي: لا يمنع من الموت التحول في آفاق الأرض حذراً منه، ولا الإقامة في الديار تقربه قبل وقته، فاستعمال السفر أجمل، لأن الموت بأجل. وقال في الثالث: الشاهد في قوله: تمدحن بالنون الثقيلة. وكندة: قبيلة من اليمن من كهلان بن سبأ. والقبيل: الجماعة من قوم مختلفين. والقبيلة: بنو أبٍ واحد. وأراد بالقبيل هنا القبيلة لتقارب المعنى فيهما. انتهى. والبيت الرابع ساقط من روايته، ورواه النحاس، قال: قال أبو الحسن: نعم ترخيم نعمان. انتهى. وبعد: ظرف يتعلق بتمدح محذوفاً، بتمدح، لأن المؤكد بالنون لا يتقدم معموله عليه. وقيل: إذا كان ظرفاً يجوز، وقد علقه به العيني. وهذا الشعر من أبيات سيبويه إلخ مسين التي لا يعرف لها قائل، والله أعلم. وأنشد بعده: وهو من شواهد س: الطويل وأقبل على رهطي ورهطك نبتحث *** مساعينا حتى ترى كيف نفعلا على أنه أكد الفعل، وهو يفعل بالنون إلخ فيف المنقلبة ألفاً للوقف، لوقوعه بعد اسم استفهام، وهو كيف. وتقدم قبله نص سيبويه. وأقبل بفتح الهمزة وكسر الموحدة: فعل أمر من الإقبال. ورهط الرجل: قومه وقبيلته الأقربون، والرهط بالإضافة في تعيينه خلاف، قيل: هو ما دون عشرة من الرجال ليس فيها امرأة، وقيل: من سبعة إلى عشرة، وما دون السبعة إلى الثلاثة نفر. وقال أبو زيد: الرهط والنفر: ما دون العشرة من الرجال. وقال ثعلب: الرهط، والنفر، والقوم، والمعشر، والعشيرة معناهم الجمع، لا واحد له من لفظه، وهو للرجال دون النساء، وقال الأصمعي: الرهط: ما فوق العشرة إلى الأربعين. كذا في المصباح. وقوله: نبتحت مجزوم في جواب الأمر، وهو على نفتعل من البحث، قال الجوهري: بحثت عن الشيء وابتحثت عنه، أي: فتشت عنه واستقصيت، فيكون مساعينا منصوباً بنزع إلخ افض. والمساعي: جمع مسعاةٍ، والأصل مسعية، مفعلى من السعي، قال صاحب المصباح: أصل السعي التصرف في كل عمل. قال الحراني: السعي: الإسراع في الأمر حس ومعنى. وفي المفردات: السعي: المشي السريع دون العدو، ويستعمل للجد في الأمر خيراً كان وشراً. وقل صاحب الصحاح: المسعاة: واحدة المساعي في الكرم والجود. والمراد بها المناقب والمآثر التي حصلت بسعيهم. قال الشاعر: الطويل ولو قدرت مسعاتكم يا بني إلخ ن *** على قاب شبرٍ قصرت عن مدى الشبر وحتى هنا: بمعنى كي التعليلية. وترى: بمعنى تنظر بالخطاب. وقال العيني: حتى بمعنى إلى. وترى من الرأي، وهو الاجتهاد. انتهى. ويفعلن بالمثناة التحتية كما يظهر من كلام الأعلم فإنه قال: يقول لمن فاخره: أقبل على ذكر مفاخر قومك، وأقبل على مثال ذلك من مفاخر قومي، ونبحث عن مساعيهما حتي يتبين فضل بعضهما على بعض، وترى فعلي في مفاخرتك، وفعلك في مفاخرتي. انتهى. وزعم ابن الطرواة أن النون في يفعلا هي نون الترنم، أبدلت ألفاً في الوقف. ورد عليه أن نون الترنم لا تغير حركة ما قبلها، وقد غيرت آخره هنا بالفتح، وهذا لا يكون إلا لنون التوكيد. وهذا البيت أيضاً من الأبيات إلخ مسين التي ما عرف أصحابها. والله أعلم. وأنشد بعده: وهو من شواهد س: الطويل فمهما تشأ منه فزارة تعطكم *** ومهما تشأ منه فزارة تمنعا على أنه يجوز أن تدخل نون التوكيد اختياراً في جواب الشرط إذا كان الشرط مما يجوز دخولها فيه. وهو أقل من دخولها في الشرط. وقوله: تمنعا جواب الشرط، وقد أكد دون الشرط بالنون إلخ فيفة المنقلبة ألفاً للوقف. وقوله: إذا كان الشرط مما يجوز إلخ ، احترز به عما إذا كان الشرط ماضي ومضارعاً بمعنى الحال، وحينئذ لا يؤكد جوابه. وقوله: اختياراً مع قوله: وهو أقل من دخولها في الشرط مذهب ابن مالك، وهو مخالف لقول سيبويه: إنه ضرورة. قال سيبويه: وقد تدخل النون بغير ما في الجزاء، وذلك قليل في الشعر، فشبهوه بالنهي حين كان مجزوماً غير واجب. وقال الشاعر: نبتم نبات إلخ يزراني البيت وقال ابن إلخ رع: فمهما تشا منه فزارة البيت وقال: من يثقفن منهم فليس بآيبٍ البيت وقال: يحسبه الجاهل ما لم يعلما البيت شبهه بالجزاء حيث كان مجزوماً وكان غير واجب، وهذا لا يجوز إلا في اضطرار، وهي في الجزاء أقوى. انتهى. وكذا قل الفراء إنه ضرورة، قال عند تفسير قوله تعالى: {ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله} ما نصه: فمن ذلك قوله تعالى: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم}. والمعنى والله أعلم: إن لم تدخل حطمتن. وهو نهي محض، لأنه لو كان جزاء لم تدخله النون الشديدة ول إلخ فيفة. ألا ترى أنك لا تقول: إن تضربني أضربنك، إلا في ضرورة شعر، كقوله: فمهما تشأ منه فزارة البيت انتهى. وكذا في المفصل، قال: فإن دخلت في الجزاء بغير ما، ففي الشعر، تشبيهاً للجزاء بالنهي. وكذا في كتاب الضرائر لابن عصفور. وخالف ابن مالك فأجازه في الكلام، قال في التسهيل: وقد تحلق جواب الشرط اختياراً، وقال قبله: وتلحق الشرط مجرداً من ما. وكذا قال في الألفية. قال الشاطبي: فإذا قلت إن تقومن أكرمتك، ومهما تطلبن أعطك، ومهما تأتيني أكرمك، وحيثما تكونن أذهب إليك، وكذلك سائر أدوات الشرط، فهو جائز، ولكنه قليل. ويحتمل أن كلام الناظم أن أدوات الشرط مسوغة لدخول النون مطلقاً، سواء أكان الفعل معها في جملة الشرط، وفي جملة الجزاء. إذ لم يقيد ذلك بفعل الشرط. فيجوز على هذا أن تقول: إن تكرمنني أكرمنك. انتهى. وقوله: فمهما تش إلخ قال الأعلم: أراد مهما تشأ فزارة إعطاءه تعطكم، ومهما تشأ منعه تمنعكم، فحذف الفعل لعلم السامع، وإدخال النون إلخ فيفة على تمنعا، وهو جواب الشرط ضرروة، وليس من مواضع النون، لأنه خبر يجوز فيه الصدق والكذب. إلا أن الشاعر إذا اضطر أكده بالنون تشبيهاً بالفعل في الاستفهام، لأنه مستقبل مثله. انتهى. والبيت غير موجود في ديوان ابن إلخ رع، وإنما هو من قصيدة للكميت بن ثعلبة، أوردها أبو محمد الأعرابي في ضالة الأديب، وهي: الطويل من مبلغٌ عليا معدٍ وطيئ *** وكندة من أصغى لها وتسمعا يمانيهم من حل نجران منهم *** ومن حل أطراف الغطاط فلعلعا ألم يأتهم أن الفزاري قد أبى *** وإن ظلموه أن يتل فيصرعا ولما رأى أن الحياة ذميمةٌ *** وأن حكي الموت أدرك تبعا شرى نفسه مجد الحياة بضربةٍ *** ليرحض خزي وليطلع مطلعا أبت أم دينارٍ فأصبح فرجه *** حصاناً وقلدتم قلائد بوزعا فيا راكباً إما عرضت فبلغن *** سحيماً وأبلغ باعثاً والمرقعا خذوا العقل إن أعطاكم العقل قومكم *** وكونوا كمن سيم الهوان فأرتعا ولا تكثروا فيها الضجاج فإنه *** محا السيف متا قال ابن دارة أجمعا وأقبل أقوامٌ بحر وجوههم *** وأدبر أقوامٌ بلطمةٍ أسفعا فمهما تشأ منه فزارة تعطكم *** ومهما تشأ منه فزارة تمنعا فزارة عوفٌ لا عزيز بأرضه *** ويمنع عوفٌ ما أراد ليمنعا فإن مات زملٌ فالإله حسيبه *** وإن عاش زملٌ فاسقياه المشعشعا قوله: ألم يأتهم أن الفزاري إلخ ، أراد بالفزاري هنا زميل بن أبير، أحد بني عبد الله بن عبد مناف. ويقال لأم زميل: أم دينار، كان سالم بن دارة الغطفاني هجاه، بقصيدة منها: البسيط بلغ فزارة أني لن أسالمه *** حتي ينيك زميلٌ أم دينار وهجا بني فزارة بقصائد تقدم بعضها في الشهد إلخ امس بعد المائة، وبعض آخر في الشاهد السابع بعد المائتين. فحلف زميل أن لا ياكل لحماً، ولا يغسل رأسه، ولا يأتي امرأة حتى يقتله. ثم بعد مدة لقيه زميل، فضربه بالسيف ضربة كانت سبب موته، وافتخر بتخلصه من العار بقتله، وقال: الرجز أنا زميلٌ قاتل ابن داره *** وغاسل المخزاة عن فزاره وتقدم شرحه في الشاهد إلخ امس بعد المائة. فحكى الكميت هذا الحكاية، وتهكم بغطفان. وقوله: أن يتل فيصرعا كلاهما بالبناء للمفعول. والتل: الإلقاء على الوجه. والصرع: القتل. وقوله: وإن حكى الموت بالحاء المهملة، فعيل بمعنى مفعول، من أحكيت العقدة، إذا قويتها وشددتها. ووقله: شرى نفسه، أي: اشترى لنفسه مجد الحياة، أي: شرفها. وقوله: ليرحض خزياً، أي: ليغسل عاراً. والرحض بالراء والحاء المهملتين والضاد المعجمة، هو الغسل. والخزي بالكسر: المذلة والعار. والحصان، بفتح المهملة: العفيف. وقوله: وقلدتم بالبناء للمفعول، والخطاب لبني غطفان. وبوزع، بفتح الموحدة والزاي، فالأسود أبو محمد الأعرابي في ضالة الأديب: بوزع هي أم زياد بن الحارث، وهي ذات القلائد وكانت أول من نصبت رايةً في بني مسلية، وفيها تضرب العرب الأمثال في قولهم: قلائد بوزع. وقال موءلة بن الحارث جد المحجل بن حزن بن موءلة: من تك أمه زانته يوم *** فقد شانتك أمك يا زياد عجوزك بوزعٌ كسبتك عار *** فليس برائمٍ حتى التنادي فلست إلى بني علة بن جلدٍ *** ولا سعدٍ ولا حيي مراد وقال آخر: الوافر قلائد بوزعٍ جرت عليكم *** مواسم مثل أطواق الحمام وقد أخطأ أبو عبد الله بن الأعرابي في هذا الشعر من جهتين: أولاهما: أنه نسب هذا الشعر إلى الكميت بن معروف، وهو للكميت بن ثعلبة. والكميت بن ثعلبة مخضرم، وجد كميت بن معروف. وأخراهما: أنه صحف في قوله بوزع بالباء، فقال: قوزع بالقاف وفسره على التخمين بالخزي والعر. انتهى كلام أبي محمد، وما ادعاه من التحريف حق لا شبهة فيه. والأبيات التي أنشدها تشهد لما قاله من أن بوزع امرأة، لكنه لم يشرح قلائدها، ولم يبين وجه كسبها للعار لابنها. وقد راجعت كتب الأمثال فلم أظفر فيها بشيء، ولعل الله يطلعني على شرحها فألحقه هنا. وما نقله عن ابن الأعرابي موجود في نوادره، وقد نقله عنه أرباب اللغة خلف بعد سلف ولم يطلعوا على ما قاله أبو محمد الأعرابي، ولو اطلعوا عليه لحكوه. قال الصاغاني في العباب في فصل القاف من باب العين: قال ابن الأعرابي: يقال: قلدتم قلائد قوزعٍ يا هذا، ولأقلدنك قلائد قوزع ومعناه: طوقتم أطواقاً لا تفارقكم أبداً. وأنشد: قلائد قوزعٍ جرت عليكم *** مواسم مثل أطواق الحمام وقال مرة: قلائد بوزع ثم رجع إلى القاف. انتهى. ولخص من هنا صاحب القاموس، فقال: وقلدتم قلائد قوزع: طوقتم أطواقاً لا تفارقكم أبداً. ونقله العيني أيضاً. وقال محمد بن المكرم في لسان العرب: قوزع: اسم إلخ زي والعار، عن ثعلب. وقال ابن الأعرابي: قلدته قلائد قوزع، يعني الفضائح. وأنشد للكميت بن معروف: أبت أم دينارٍ فأصبح فرجه *** حصاناً وقلدتم قلائد قوزعا وقال مرة: قلائد بوزع، ثم رجع إلى القاف. انتهى. ولو كان اسماً للخزي لكان مصروفاً، ولا وجه لمنعه إلا أن يدعى أنه علم جنس كزوبر علم للكلبة. انتهى. ولم يتعرض الجوهري لهذه الكلمة بشيء. وأوردها ابن بري في أماليه على صحاحه، فقال: قوزع: اسم إلخ زي، عن ابن ألأعرابي. وأنشد بيت الكميت. وقوله: فيا راكباً إما عرضت، أي: أتيت العروض، وهي مكة زادها الله شرفاً. قال أبو محمد: سحيم وباعث والمرقع كلهم من بني عبد الله بن غطفان. وقوله: خذوا العقل إن أعطاكم العقل قومكم هذا تهكم بهم. والعقل: الدية. وإنما قال قومكم لأن فزارة هو ابن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، وبنو عبد الله هم بنو عبد العزى بن غطفان. ولما وفد عبد الله على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من أنتم؟ قالوا: بنو عبد العزى، قال: أنتم بنو عبد الله. فلزمهم هذا الاسم. وقوله: وكونوا كمن سيم الهوان فأرتعا، سيم: مجهول سامه الشيء يسومه سوماً، أي: كلفه إياه. والهوان: الذل. وأرتعا من أرتع إبله، وقوم مرتعون، أي: ترتع إبلهم، يقال: رتعت الماشية ترتع رتوعاً، أي: أكلت ما شاءت. وقوله: ولا تكثروا فيها الضجاج، أي: لا تكثروا في هذه القضية، وهي قتل سالم بن دارة، قال الجوهري: وضاجه مضاجة وضجاجاً: شاغبه وشاره، والاسم الضجاج بالفتح. وقوله: محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا أورده الزمخشري في أمثاله، قال: هو سالم بن دارة الغطفاني، هجا بعض بني فزارة، بقوله: أبلغ فزارة أني لا أصالحه *** حتى ينيك زميلٌ أم دينار فقتله زميل الفزاري، فقال الكميت ذلك، يريد أن الفعل أفضل من القول، وإنما قلت أنت، وفعلنا نحن، يضرب للجبان يتوعد ولا يفعل. انتهى. وقوله: وأقبل أقوام بحر وجوهم هم قوم زميل الفزاري، وما بعده قوم ابن دارة. وقوله: بلطمة أسفعا، أي: بلطمة خد أسفع، أي: لطموا على خدودهم حتى اسودت. والسفعة بالضم: سواد يخالطه حمرة. والأسفع هوم المتصف بالسفعة. وقوله: فمهما تشأ منه فزارة إلخ ، معناه: كل شيءٍ شاءت منه فزارة أعطت، وكل شيء شاءت منعت، مغفعول تشأ محذوف كما تقدم، ومنه متعلق بتعطكم، ومنه الثاني متعلق بتمنع محذوفاً لا بالمذكور، لأن المؤكد بالنون لا يتقدم معموله عليه. ويجوز أن يتعلق به بناءً على أنه يتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها. والضميرفي الموضعين راجع إلى مهما، وقال العيني: راجع إلى ابن دارة، ومفعول تمنعا محذوف، أي: تمنعكم. يعني: إن أرادت فزارة إعطاء شيء من الدية أعطت، وأن أرادت منعكم من الدية فعلت، لأنكم أذلاء معهم، لا تقدرون على أخذ قوم، ولا طلب دية. وقوله: فزارة عوف مبتدأ وخبر، والعوف، بالفتح: الأسد، واسم الذئب أيضاً. وعوف الثاني هو عوف بن هلال بن شمخ، بفتح المعجمة وسكون الميم بعدها خاء معجمة، ابن فزارة. ووقله: فإن مات زمل، بكسر الزاي، هو زميل قاتل ابن دارة، بالتصغير. والمشعشع: الشراب الممزوج بالماء. قال أبو محمد الأعرابي: كانت هذه القضية في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم حدث في زمن عبد الملك شر بين بي رياب، وبين بني الكميت بن ثعلبة، فقتل ذيال بن مقاعس الريابي عبيد الله بن صخر، أخا الميدان، فعرض ذيال الدية على بني الكميت فقبلوا، فقال عبد الرحمن بن دارة يعيرآل الكميت: الطويل ألم تر أن الله لا شيء بعده *** شفاني من آل الكميت فأسرعا وأصبح ذيالٌ يذيل وقد سقى *** بكفيه صدر الرمح حتى تضلعا خذوا القعل با آل الكميت وأقبلو *** بأنفٍ وإن وافى المواسم أجدعا وترجمة الكميت بن ثعلبة تقدمت في الشاهد السبعين بعد إلخ مسمائة. وأنشد بعده:
|